فصل: باب قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا} الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.كلام نفيس للقرطبي:

قال عليه الرحمة:

.باب قوله تعالى: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا} الآية:

مسلم عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة قال: نزلت في عذاب القبر. يقال له من ربك؟ فيقول: الله ربي. ونبي محمد. فذلك محمد. قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
وفي رواية أنه قول البراء. ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذا الطريق وإن كان موقوفًا فهو لا يقال من جهة الرأي فهو محمول على أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله كما في الرواية الأولى، وكما خرجه النسائي وابن ماجه في سننهما والبخاري في صحيحه، وهذا لفظ البخاري: حدثنا جعفر بن عمر قال: حدثنا شعبة بن علقمة بن مرثد، عن سعد بن عبيدة عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أقعد العبد المؤمن في قبره. أتى ثم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت} الآية، وخرجه أبو داود في سننه. فقال فيه البراء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن المسلم إذا سئل في القبر فشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله فذلك قوله: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة} وقد مضى هذا المعنى في حديث البراء الطويل مرفوعًا والحمد الله.
قد روى هذا الخبر، أبي هريرة وابن مسعود وابن عباس وأبو سعيد الخدري. قال أبو سعيد الخدري: كنا في جنازة مع النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا أيها الناس إن هذه الأمة تبتلى في قبورها. فإذا الإنسان دفن وتفرق عنه أصحابه جاءه ملك بيده مطراق فأقعده فقال: ما تقول في هذا الرجل؟ فإن كان مؤمنًا قال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، فيقول له صدقت فيفتح له باب إلى النار فيقول له هذا منزلك لو كفرت بربك، وأما الكافر والمنافق فيقول له: ما تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري. فيقال له: لا دريت ولا تليت، ثم يفتح له باب إلى الجنة. فيقال له هذا منزلك لو آمنت بربك. فأما إذ كفرت فإن الله أبدلك به هذا، ثم يفتح له باب إلى النار، ثم يقمعه الملك بالمطراق قمعة يسمعه خلق الله كلهم إلا الثقلين.
قال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أحد يقوم على رأسه ملك بيده مطراق إلا هيل عند ذلك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء}.
فصل:
صحت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم في عذاب القبر على الجملة فلا مطعن فيها ولا معارض لها. وجاء فيما تقدم من الآثار: أن الكافر يفتن في قبره ويسأل ويهان ويعذب. قال أبو محمد عبد الحق: واعلم أن عذاب القبر ليس مختصًا بالكافرين ولا موقوفًا على المنافقين، بل يشاركهم فيه طائفة من المؤمنين، وكل على حال من عمله وما استوجبه من خطيئته وزللـه. وإن كانت تلك النصوص المتقدمة في عذاب القبر إنما جاءت في الكافر والمنافق، قال أبو عمر بن عبد البر في كتاب التمهيد: الآثار الثابتة تدل على: أن الفتنة في القبر لا تكون إلا لمؤمن أو منافق ممن كان منسوبًا إلى أهل القبلة ودين الإسلام من حقن دمه بظاهر الشهادة، وأما الكافر الجاحد المبطل فليس ممن يسأل عن ربه ودينه ونبيه، وإنما يسأل عن هذا أهل الإسلام والله أعلم، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ويرتاب المبطلون.
قال ابن عبد البر وفي حديث زيد بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن هذه الأمة تبتلى في قبورها ومنهم من يرويه تسأل. وعلى هذا الفظ يحتمل أن تكون هذه الأمة خصت بذلك، وهذا أمر لا يقطع عليه، والله أعلم.
وقال أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول: وإنما سؤال الميت في هذه الأمة خاصة. لأن الأمم قبلنا كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبوا كفت الرسل، واعتزلوا وعوجلوا بالعذاب، فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالرحمة وأمانًا للخلق، فقال: وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين أمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف، ثم يرسخ في قلبه، فأمهلوا، فمن هنا ظهر أمر النفاق فكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان فكانوا بين المسلمين في ستر، فلما ماتوا قيض الله لهم فتاني القبر ليستخرج سترهم بالسؤال، وليميز الله الخبيث من الطيب فيثبت الثابت في الحياة الدنيا ويضل الله الظالمين.
قال المؤلف: قول أبي محمد عبد الحق أصوب، والله أعلم، فإن الأحاديث التي ذكرناها من قبل تدل على: أن الكافر يسأله الملكان، ويختبرانه بالسؤال ويضرب بمطارق من حديد على ما تقدم، والله أعلم.

.باب ما ينجي المؤمن من أهوال القبر وفتنته وعذابه:

وذلك خمسة أشياء: رباط. قتل. قول. بطن. زمان.
الأول: روى مسلم عن سلمان قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامة، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان فالرباط من أفضل الأعمال التي يبقى ثوابها بعد الموت كما جاء في حديث العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة» الحديث. وقد تقدم وهو حديث صحيح، انفرد بإخراجه مسلم، وكذلك ما أخرجه ابن ماجه وأبو نعيم من أنه يلحق الميت بعد موته، فإن ذلك مما ينقطع بنفاده وذهابه، كالصدقة بنفادها، والعلم بذهابه، والولد الصالح بموته، والنخل بقطعه إلى غير ذلك مما ذكر، والرباط يضاعف أجره لصاحبه إلى يوم القيامة لقوله عليه الصلاة والسلام: وإن مات أجرى عليه عمله وقد جاء مفسرًا مبينًا في كتاب الترمذي عن فضالة بن عبيد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطًا في سبيل الله، فإنه ينمو له عمله إلى يوم القيامة ويأمن من فتنة القبر. قال: حديث حسن صحيح، وأخرجه أبو داود بمعناه وقال: ويؤمن من فتاني القبر ولا معنى للنماء إلا المضاعفة وهي غير موقوفة على سبب فتنقطع بانقطاعه، بل هي فضل دائم من الله تعالى لأن أعمال البر لا يتمكن منها إلا بالسلامة من العدو والتحرز منهم بحراسته بيضة الدين وإقامة شعائر الإسلام، وهذا العمل الذي يجري عليه ثوابه هو ما كان يعمله من الأعمال الصالحة.
وخرجه ابن ماجه بإسناد صحيح عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات مرابطًا في سبيل الله أجرى الله عليه عمله الصالح الذي كان يعمل وأجرى عليه وأمن من الفتان ويبعثه رزقه الله أمينًا من الفزع الأكبر.
وخرج أبو نعيم الحافظ عن جبير بن بكير وكبير بن مرة وعمرو بن الأسود عن العرباض بن سارية رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل عمل ينقطع عن صاحبه إذا مات إلا المرابط في سبيل الله. فإنه ينمي عليه عمله يجري عليه رزقه إلى يوم الحساب.
وفي هذا الحديث وحديث فضالة بن عبيد قيد ثان. وهو: الموت حالة الرباط والله أعلم.
وروى عن عثمان بن عفان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رابط ليلة في سبيل الله كانت له كألف ليلة صيامها وقيامها.
وروي عن أبي بن كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لرباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبًا من غير شهر رمضان أعظم أجرًا من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسبًا من شهر رمضان أفضل عند الله وأعظم أجرًا. أراه قال: من عبادة ألف سنة صيامها وقيامها، فإن رده الله إلى أهله سالمًا لم يكتب عليه سيئة ألف سنة. ويكتب له من الحسنات ويجري له أجر الرباط إلى يوم القيامة. فدل هذا الحديث على أن رباط يوم في شهر رمضان يحصل به الثواب الدائم وإن لم يمت مرابطًا والله أعلم.
أخرجه عن محمد بن إسماعيل بن سمرة، حدثنا محمد بن يعلى السلمي، حدثنا عمرو بن صبيح، عن عبد الرحمن بن عمرو، عن مكحول، عن أبي بن كعب فذكره.
مسألة الرباط: هو الملازمة في سبيل الله. مأخوذ من ربط الخيل ثم سمي ملازم لثغر من ثغور المسلمين: مرابطًا. فارسًا كان أو راجلًا، واللفظة مأخوذة من الرباط، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في منتظري الصلاة: فذلكم الرباط إنما هو تشبيه بالرباط في سبيل الله، والرباط اللغوي هو الأول، وهو الذي يشخص إلى ثغر من الثغور ليرابط فيه مدة ما، فأما سكان الثغور دائمًا بأهلهم الذي يعمرون ويكتسبون هناك، فهم وإن كانوا حماة فليسوا بمرابطين. قاله علماؤنا، وقد بيناه في كتاب الجامع لأحكام القرآن من سورة آل عمران والحمد لله.
الثاني: روى النسائي عن راشد بن سعد عن رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلًا قال يا رسول الله، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال: كفى ببارقة السيوف على رأس فتنة.
وخرج ابن ماجة في سننه والترمذي في جامعه وغيرهما عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ست خصال: «يغفر له في أول دفعة. ويرى مقعده من الجنة. ويجار من عذاب القبر. ويأمن من الفزع الأكبر. ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها. ويزوج إثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، ويشفع في سبعين من أقاربه» لفظ الترمذي، وقال حديث حسن صحيح غريب، وقال ابن ماجه: «يغفر له في أول دفعه من دمه قال: ويحلى حلة الإيمان» بدل: «ويوضع على رأسه تاج الوقار» قال ابن ماجه: حدثنا هشام بن عمار، حدثنا إسماعيل بن عياش قال: حدثني بجير بن سعد، وقال الترمذي: حدثنا عيد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا نعيم بن حماد قال: حدثنا بقية بن الوليد، عن بجير بن سعد، عن خالد بن معدان، عن المقدام بن معدي كرب. فذكره.
قال المؤلف ووقع في جميع نسخ الترمذي وابن ماجه: «ست خصال» وهي في متن الحديث: «سبع» وعلى ما ذكر ابن ماجه: «ويحلى بحلة الإيمان» تكون ثمانية، وكذا ذكره أبو بكر أحمد بن سليمان النجاد بسنده عن المقدام بن معدي كرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: للشهيد عند الله ثمانية خصال.
الثالث: روى الترمذي عن ابن عباس قال: ضرب رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خباءه على قبره وهو لا يحسب أنه قبر فإذا قبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ضربت خبائي على قبر وأنا لا أحسب أنه قبر، فإذا بقبر إنسان يقرأ سورة الملك حتى ختمها. فقال صلى الله عليه وسلم: هي المانعة هي المنجية تنجيه من عذاب القبر. قال حديث حسن غريب. وخرج أيضًا عنه صلى الله عليه وسلم: أن من قرأها كل ليلة جاءت تجادل عن صاحبها. وروي أنها المجادلة تجادل عن صاحبها يعني قارئها في القبر، وروي أن من قرأها كل ليلة لم يضره الفتان.
وأنبأنا الشيخ الفقيه الإمام المحدث أبو العباس أحمد بن عمر الأنصاري القرطبي بثغر الإسكندرية حماه الله قال: حدثني الشيخ الصالح أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي المعافري ابن أخي الشيخ الإمام أبي بكر قال: حدثني الشيخ الشريف أبو محمد يونس بن أبي الحسين بن أبي البركات الهاشمي البغدادي، حدثنا أبو الوقت عن الداودي، عن الحموي، عن أبي إسحاق إبراهيم بن خزيم الشاشي، عن عبد الله بن حميد الكشي، عن إبراهيم بن الحكم، عن أبيه، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال لرجل: ألا أتحفك بحديث تفرح به؟ قال الرجل: بلى يا ابن عباس رحمك الله. قال: تبارك الذي بيده الملك احفظها وعلمها أهلك وجمع ولدك وصبيان بيتك وجيرانك فإنها المنجية والمجادلة تجادل أو تخاصم يوم القيامة عند ربها لقارئها، وتطلب له إلى ربها أن ينجيه من عذاب النار إذا كانت في جوفه وينجي الله بها صاحبها من عذاب القبر. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لوددت أنها في قلب كل إنسان من أمتي وأخبرناه عاليًا الشيخ المحدث أبو عبد الله محمد بن إبراهيم الأنصاري التلمساني بثغر الإسكندرية عن شيخه الشريف أبي محمد يونس عن أبي الوقت. وقد تقدم: أن قراءة الرجل قل هو الله أحد في مرض الموت تنجي من ذلك.
الرابع: روى ابن ماجه عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات مريضًا مات شهيدًا، ووقى فتنة القبر، وغدى وريح عليه برزقه من الجنة.
وخرج النسائي عن جامع بن شداد قال: سمعت عبد الله بن يسار يقول: كنت جالسًا عند سليمان بن صرد، وخالد بن عرفطة فذكرا أن رجلًا مات ببطنه فإذا هما يشتهيان أن يشهدا جنازته. فقال أحدهما للآخر: ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: من يقتله بطنه لم يعذب في قبره. أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده قال: حدثنا شعبة، قال، أخبرني جامع بن شداد فذكره وزاد فقال الآخر: بلى.
الخامس: روى الترمذي، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من مسلم يموت يوم الجمعة، أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر، قال هذا حديث حسن غريب، وليس إسناده بمتصل ربيعة بن سيف إنما يروي عن عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو، ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعًا من عبد الله بن عمرو.
قلت: قد خرجه أبو عبد الله الترمذي في نوادر الأصول متصلًا عن ربيعة بن سيف الإسكندري، عن عياض بن عقبة الفهري، عن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقاه الله فتنة القبر وخرجه علي بن معبد عنه- أعني عبد الله بن عمرو الترمذي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وقى فتنة القبر وأخرجه أبو نعيم الحافظ من حديث محمد بن المنكدر عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة وعليه طابع الشهداء. غريب من حديث جابر ومحمد تفرد به عمر بن موسى الوجيهي وهو مدني فيه لين عن محمد بن جابر.
فصل:
قلت: اعلم رحمك الله أن هذا الباب لا يعارض ما تقدم من الأبواب، بل يخصصها ويبين من لا يسأل في قبره ولا يفتن فيه، ممن يجري عليه السؤال، ويقاسي تلك الأهوال وهذا كله ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه. وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد صلى الله عليه وسلم.
وقد روى ابن ماجه في سننه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل الميت في قبره مثلت له الشمس عند غروبها فيجلس فيمسح عينيه ويقول: دعوني أصلي ولعل هذا ممن وقى فتنة القبر فلا تعارض والحمد لله.
فصل:
قوله عليه السلام في الشهيد كفي ببارقة السيوف على رأسه فتنة معناه: أنه لو كان في هؤلاء المقتولين نفاق كان إذا التقى الزحفان، وبرقت السيوف فروا لأنه من شأن المنافق: الفرار والروغان عند ذلك. ومن شأن المؤمن: البذل والتسليم لله نفسًا وهيجان حمية الله، والتعصب له، لإعلاء كلمته. فهذا قد أظهر صدق ما في ضميره حيث برز للحرب والقتل، فلماذا يعاد عليه السؤال في القبر؟ قاله الترمذي الحكيم.
قلت: وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق أجل خطرًا وأعظم أجرًا، فهو أحرى أن لا يفتن لأنه المقدم ذكره في التنزيل على الشهداء في قوله تعالى: {فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء} وقد جاء في المرابط الذي هو أقل مرتبة من الشهيد أنه لا يفتن، فكيف بمن هو أعلى مرتبة منه ومن الشهيد؟ والله أعلم فتأمله.
فصل:
قوله عليه السلام: من مات مريضًا مات شهيدًا عام في جميع الأمراض لكن قيده قوله في الحديث الآخر: من يقتله بطنه وفيه قولان:
أحدهما: أنه الذي يصيبه الذرب وهو الإسهال تقول العرب أخذه البطن إذا أصابه الداء وذرب الجرح إذا لم يقبل الدواء وذربت معدته فسدت.
الثاني: أنه الاستسقاء وهو أظهر القولين فيه، لأن العرب تنسب موته إلى بطنه تقول قتله بطنه يعنون الداء الذي أصابه في جوفه وصاحب الاستسقاء قل إن يموت إلا بالذرب فكأنه قد جمع الوصفين وغيرهما من الأمراض والوجود شاهد للميت بالبطن إن عقله لا يزال حاضرًا، وذهنه باقيًا إلى حين مكوته ومثل ذلك صاحب السل إذ موت الآخر إنما يكون بالذرب، وليست حالة هؤلاء كحال من يموت فجأة أو من يموت بالسام والبرسام، والحميات المطبقة أو القولنج أو الحصاة فتغيب عقولهم لشدة الآلام، ولزوم أدمغتهم، ولفساد أمزجتها، فإذا كان الحال هكذا فالميت يموت وذهنه حاضر وهو عارف. والله أعلم.
باب منه:
أبو نعيم قال: حدثنا عبد الله بن محمد قال: حدثنا ابن سعيد قال: حدثنا محمد بن حرب الواسطي قال: حدثنا نصر بن حماد قال: حدثنا همام قال: حدثنا محمد بن حجادة عن طلحة بن مصرف قال: سمعت خيثمة بن عبد الرحمن يحدث عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم من وافق موته عند انقضاء رمضان، دخل الجنة، ومن وافق موته عند انقضاء عرفة، دخل الجنة، ومن وافق موته عند انقضاء صدقته، دخل الجنة. غريب من حديث طلحة لم نكتبه إلا من حديث نصر عن همام.